فضاء حر

قراءة مختصرة في تعديل قانون السلطة القضائية الطعين المقر من البرلمان اليمني منتصف مايو 2013م الحلقة الأولى

يمنات

بدلاً من أن تقوم السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية ووزير العدل بالوفاء بالتزامها فيما يتعلق بإقرار قانون جديد للسلطة القضائية بدلاً من التلفيق والترقيع الذي لم يعد يجدي والإصلاح بالقطارة بتعديل مواد قانونية شكلية لاتسمن ولا تغني من جوع.

قام مجلس النواب يوم الثلاثاء 14مايو 2013م بتمرير التعديلات المقدمة من وزير العدل بداية يناير المنصرم ، أقرها البرلمان خلسة في ظل مقاطعة كتلة أحزاب المشترك للجلسة، وتم تمرير التعديلات بسرية تامة ولم ينشر خبر التعديلات في وسائل الإعلام الرسمية والأهلية عدا صحيفة المصدر الأهلية وصحيفة الثورة التي أوردت الخبر على استحياء وبصورة متذبذبة غير قاطعة.

أحزاب المشترك قاطعت جلسات المجلس لأن كتلة المؤتمر رفضت تعديل بعض نصوص قانون الجامعات بما يكفل انتخاب رؤساء الجامعات اليمنية وعمدائها، في حين مرر قانون السلطة القضائية الذي حرم القضاة من حقهم في انتخاب مجلسهم الأعلى في ظل صمت مريب من قبل أحزاب المشترك، بل مباركة تمرير القانون بهذه الصورة المخجلة.

مجلس النواب منتهي الولاية يقر أهم تعديلات قانونية تتعلق بالسلطة القضائية بصورة ارتجالية عبثية تنم عن الاستخفاف والاستهزاء بالسلطة القضائية..

اقره في ظل غياب كتلة المشترك وبصوره سرية لم ينشر الخبر، اقر خلسة، القانون تم سلقه ومناقشته في يوم والتصويت عليه في نفس اليوم، وهذا فيه مخالفة لنص اللائحة الداخلية للمجلس.

اللائحة تنص على وجوب مناقشة القانون مادة مادة ومن ثم يعود إلى اللجنة الدستورية للعرض عليها والنظر فيه بالاشتراك مع اللجنة المختصة للنظر في التعديلات التي أضيفت في القاعة أثناء النقاش ومدى دستوريتها..

بعد ذلك تنزل اللجنة الدستورية مع اللجنة المختصة تقريرها للمجلس للتصويت على القانون بصيغته النهائية إجمالا..

كل ذلك لم يتم والذي حصل أن التقرير نزل من اللجنة للقاعة وتم التصويت على التقرير دون حتى مناقشته بما يعني التصويت إجمالا..

الجماعة مستعجلين يكلفتوا تشريعات كلفتة يستغلون انشغال المجتمع بالحوار لتمرير قوانين مفصلة على مقاساتهم.

في مصر قامت الدنيا ولم تقعد عندما أراد شورى الجماعة تعديل قانون السلطة القضائية بما يخدم مصلحة الجماعة، حصلت أزمة سياسية بين الثلاث السلطات واضطر الجماعة هناك لوقف مناقشة القانون.

وهنا خبزوا لنا قانون في ليلة وضحها، والكل صامتين ولا كأن الأمر يعنيهم الجميع غير معني بالقضاء.

الناس منشغلين بالحوار والجماعة شغالين بوتيرة متسارعة في الاستيلاء على مؤسسات الدولة السيادية ومنها القضاء، وسلق قوانين تخدم سيطرتهم على مفاصل الدولة.

الأمر الذي ينم عن احتقار وازدراء للقضاء من قبل الطبقة السياسية اليمنية، التي صار القضاء لا يعنيها.. تريده تابع ذليل للسلطة التنفيذية، بعيد عن الرقابة السياسية ومعطل، وخادم لمصالح مراكز القوى والنفوذ.

ذاك التعديل يمثل نوع من الالتفاف على ثورة القضاة وعلى ما تم الاتفاق عليه بين المنتديات القضائية ووزير العدل ورئيس الجمهورية الموقع بمحضر نهاية ابريل 2012م المتضمن التزام السلطة بإعداد مشروع قانون جديد للسلطة القضائية يتضمن استقلالاً حقيقياً وتاماً للسلطة القضائية وكفالة حق القضاة في انتخاب مجلس القضاء الأعلى ونزع اختصاصات وزير العدل وإرجاعها لمجلس القضاء الأعلى المنتخب وإلحاق هيئة التفتيش القضائي بمجلس القضاء بدلاً من وزارة العدل ولكن وزير العدل تلكأ وماطل وسوف وبعد نقد ومطالبة القضاة عبر مقالات نشرت في الصحف استجاب الوزير لتلك الضغوط وقدم مشروع قانون إلى مجلس الوزراء، سنتناوله فيما يلي:

وافق مجلس الوزراء في اجتماعه المنعقد بتاريخ 13/11/2012م على مشروع قانون تعديل بعض مواد قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 1991م وتعديلاته. ونشر مشروع القانون بعد ذلك بيومين في صحيفة القضائية العدد رقم 132 بتاريخ 15/11/2012م.

وتهدف التعديلات بحسب الخبر المنشور في صحيفة الثورة يوم 14/3/2012م إلى تعزيز استقلال القضاء وتفعيل دور مجلس القضاء الأعلى وتوسيع صلاحياته ونقل الصلاحيات المناطة بوزير العدل في القانون النافذ إلى مجلس القضاء الأعلى أو رئيس المجلس وكذا تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات وتعميق استقلال السلطة القضائية من خلال ربط تبعية النيابة العامة برئيس مجلس القضاء الأعلى.

واحتوى المشروع على أربع مواد نصت المادة الأولى منه على تعديل 13 مادة من القانون النافذ و هي المواد ( 8-11-39-45-54-60-65-92-94-95-104مكرر-105-109و).

ونصت المادة الثانية منه على أن " يحل رئيس مجلس القضاء الأعلى محل وزير العدل في ممارسة المهام والاختصاصات المنصوص عليها في المواد (59-66-67-68-69-70-72-73-78-85ب-90-91-97-98-99-111/2-115/2-118/1)" .

والمادة الثالثة تقضي بإلغاء ما يتعارض مع التعديلات الجديدة. والمادة الأخيرة تقضي بالعمل بالقانون من تاريخ صدوره وبأن ينشر في الجريدة الرسمية (1).

وبذلك فإن التعديلات التي وردت في المشروع قد شملت 31 مادة من مواد القانون.

وسنبين أهم المأخذ والمثالب التي وردت في صلب مشروع التعديلات كما يلي:

م ( 8 ) : أ- لا يجوز إنشاء محاكم استثنائية؛ بعد أن أوردت الفقرة (أ) الحظر الدستوري بعدم إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال، أضاف مشروع تعديل قانون السلطة القضائية إلى النص أعلاه فقرة (ب) تنص على أنّه {يجوز بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناء على اقتراح رئيس هيئة التفتيش القضائي إنشاء محاكم قضائية ابتدائية متخصصة نوعية في المحافظات متى دعت الحاجة لذلك وفقا للقوانين النافذة . ولا يسري هذا الاستثناء على المحاكم الجزائية المتخصصة}.

فالجديد في هذا النص هو أن الاقتراح بإنشاء المحاكم المتخصصة يكون من رئيس التفتيش القضائي بدلا عن وزير العدل, والجزء الأخير من الفقرة (ب) والذي يقضي بأن "لا يسري هذا الاستثناء على المحاكم الجزائية المتخصصة" . و إضافة كلمة نوعية بعد كلمة متخصصة.

فعبارة الجزء الأخير من الفقرة (ب) غير مفهومة. فما هو الاستثناء المقصود؟ وهل ينظر واضع المشروع إلى أن المحاكم المتخصصة ليست محاكم استثنائية وإلى أن نص الفقرة (ب) بجواز إنشائها هو استثناء من الفقرة الأولى التي تنص على عدم جواز إنشاء محاكم استثنائية وأن هذا الحكم لا يسري على المحاكم الجزائية المتخصصة بمعنى أنه لا يجوز للمجلس إنشاؤها؟ (2)

إذا كان الأمر كذلك فهو غير صحيح برمته لأن عدم جواز إنشاء محاكم استثنائية حكم مقرر في الدستور (م/150) ولا يجوز للقانون وهو أدنى مرتبة من الدستور أن يقرر استثناء على هذا الحكم بأي حال من الأحوال.

فالمشروع بهذه الفقرة قد خرق الحظر الدستوري مستثنيا "المحاكم الاستثنائية" المسماة بالمحاكم الخاصة، وقد ترتب على هذا الخرق الدستوري المنصوص عليه في قانون السلطة القضائية وجود أقضية خاصة – كالقضائين العسكري والتجاري.

ومحاكم خاصة

– تتمثل في المحاكم التالية:

1. الجزائية المتخصصة .

الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب موقعها العاصمة صنعاء أنشئت بقرار جمهوري عام 1999م. وهي محكمة شبيهة بمحاكم امن الدولة أو المحاكم الاستثنائية، وصدر قرار جمهوري في العام 2004، وسع من صلاحياتها بإضافة اختصاصها "بالنظر في جرائم تمس امن الدولة والجرائم بالغة الخطورة الاقتصادية والاجتماعية"، وفي عام 2008 صدر قرار جمهوري قضى بإنشاء محاكم جزائية متخصصة في محافظة الحديدة، ومحافظتي عدن وحضرموت الجنوبيتان وذلك للتعامل مع ما تصفه الحكومة اليمنية بالحراك القاعدي الذي نشط في تلك المحافظات.

2. الجزائية العادية (محاكم أنشئت في بعض المحافظات خاصة بنظر الجرائم الجسيمة فقط في عموم المحافظة)

3. الأموال العامة

4. الصحافة والمطبوعات

5. الضرائب

. المرور

أمّا محاولة تجاوز هذا الحظر بتسمية المحاكم الإستثنائية بـ"المتخصصة" فلا يُضفي عليها الشرعية، أو يُخرجها من كونها محاكم مستثناة من الأصل العام المقرر دستوريا.

فإنشاء محاكم خاصة لنظر منازعات بعينها يترتب عليه تمييز بعض شرائح المجتمع عن غيرها أو الإضرار بشريحة دون غيرها.

وإذا كان ثمة محاكم وأقضية خاصة في بعض دول العالم، فهي الدول ذات القضاء المزدوج، وحتى في هذه الدول فإن إنشاء كل صنف يتم بقانون خاص، أما في اليمن فإن المقنن قد تنازل عن هذا الدور تاركا إيّاه لغيره!!! (وزير العدل ومجلس القضاء)، ويُعدُّ هذا تفويضا تشريعيا، وأمر كهذا لا يملكه المقنن؛ إذ أن إنشاء المحاكم من مهام المقنن الأصيلة، وهذا ما يقرره النص الدستوري في صلب المادة (150) من الدستور بقوله: {ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها}.

وبهذا التفويض التشريعي لم يعد ثمّة معنى لمبدأ الفصل بين السلطات أو مبدأ الرقابة المتبادلة بينها.

إذ بهذا التفويض لجهة الإدارة في تحديد اختصاص المحاكم صارت المحاكم الخاصة في اليمن (ذات القضاء الواحد) أكثر بكثير من غيرها من الدول (ذات القضاء المزدوج)، فلا يوجد – ولم يسبق – تشتيت وتمزيق القضاء على هذا النحو في أي مكان أو زمان(3)

"واستغل النظام اليمني المحاكم الجزائية المتخصصة لتصفية خصومه السياسيين فقد قدمت الحكومة عدداً من الشخصيات والأفراد إلى المحاكم الجزائية المتخصصة بينهم سياسيين من نشطاء الحراك السلمي الجنوبي ومحامين وإعلاميين وأكادميين وصحفيين بينهم محمد المقالح وعبد الكريم الخيواني وعبد الإله شائع "انظر التقرير السنوي لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن الصادر عن المرصد اليمني لحقوق الإنسان ص 85".

وقد طالبت الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان والناشطين الحقوقيين بإلغاء تلك المحاكم لأنها غير دستورية ولا توفر للمتهمين معايير المحاكمة العادلة لأنها أنشئت بقرار والدستور يوجب أن تنشأ المحاكم بقانون واختصاصها يشمل عدة محافظات في حين أن الأصل أن يقف المتقاضي أمام قاضيه الطبيعي..

وقد استبشر رجال القانون خيراً بعد الثورة الشبابية الشعبية عام 2011م وبعد توقيع المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني والذي أصبحت وزارة العدل من نصيب اكبر واهم حزب في المعارضة وهو حزب الإصلاح (اخوان مسلمين) وانتظروا أن يقوم وزير العدل الجديد بواجبه بإلغاء تلك المحاكم..

ويبدوا انه لا يوجد أي مؤشر أو ضوء يلوح في الأفق ينم عن توجه أو إرادة سياسية لإلغاء تلك المحاكم بل إن هناك إصرار على استمرارها وبقائها، وأن ذلك مشروع تعديل بعض نصوص قانون السلطة القضائية المقدم من وزير العدل للحكومة والذي وافق مجلس الوزراء في اجتماعه المنعقد بتاريخ 13/11/2012م على مشروع قانون تعديل بعض مواد قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 1991م وتعديلاته.

والذي اقره مجلس النواب منتصف مايو الجاري أبقت على النص كما هو وأجازت لمجلس القضاء إنشاء المحاكم متخصصة نوعية لا بل انه أكد على تحصين المحاكم المتخصصة الذي أنشأها النظام السابق، والغرض من إبقائها واضح وهو استخدمها للتنكيل بالخصوم السياسيين وخدمة مصلحة الجماعة التي تحكم اليوم وأية ذلك تحريك دعاوى ضد صحيفة الأولى أمام محكمة الصحافة من قبل جمعية الإصلاح الخيرية الذي يرأسها وزير العدل.

وقضت هذه المحكمة لصحيفة أخبار اليوم بمبلغ 250 مليون ريال يمني كتعويض وهي غير مختصة نوعياً حكمها يعد منعدم لصدوره من قضاء غير مختص غير ذي ولاية.

وستستخدم هذه المحكمة لقمع الأصوات الحرة في قادم الأيام، كذلك تم تعيين رئيس المحكمة الجزائية المتخصصة من تيار وزير العدل وجماعته بغرض استخدامها في تصفية الخصومات السياسية.

رئيس لجنة القضاء والعدل بمجلس هيئة الظل بجبهة إنقاذ الثورة السلمية

الهوامش

(1)   الدكتور محمد بن محمد الغشم مستشار مجلس القضاء .قراءة أولية في مشروع تعديل قانون السلطة القضائية دراسة منشورة في صحيفة الثورة (الأعداد :17541،17542،17543) الصادرة خلال الفترة من 27- 29 نوفمبر 2012م

(2)    د. محمد بن محمد الغشم، نفس المرجع السابق.

(3)    القاضي الدكتور عبد الملك عبد الله الجنداري، عضو المحكمة العليا، أسباب انتفاضة الشباب تشخيص واقعي شرعي قانوني، بحث غير منشور يونيو 2011ص19.

عن: الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى